jo24_banner
jo24_banner

تفكيك الأطر السياسية لمنع تقاسم "كعكة السلطة".. الشارع العربي: وين الملايين؟

ايهاب سلامة
جو 24 :


تعيد لنا مشاهد الجامعات الأمريكية المنتفضة ضد جرائم الكيان الصهيوني المقيت، ذاكرة الحركات الطلابية العربية التي كانت بمثابة مقدح شرارة الثورات ضد الإحتلال في بلادها، ونواة ثورات أخرى، على أنظمة عربية قميعة مستبدة، خلال عقود خلت، ويبدو أن الأرحام أصبحت عصيّة على إعادة إنجابها!

عقم الشارع العربي، تجلى بعد السابع من اكتوبر، ولم ينحصر بالجامعات والحركات الشبابية والطلابية العاقرة، وتعداها، لمختلف الأطر والقوى السياسية والشعبية التي تعيش مواسم قحط قاحلة، رغم أحلك الظروف العربية المأساوية القاتمة، التي تستدعي حضورها واستنفارها، وغيّبت عن قضايا بلادها التي تعيش كل واحدة منها في وادٍ غير ذي زرع ألعن من أختها.

لقد تم إخضاع القوى السياسية والشعبية العربية، وتدجينها، وترويضها، والسيطرة عليها، وبرمجة حراكها وفق خوارزميات أمنية، درءًا لمقاسمتها كعكة السلطة، وضمان بقائها على مسافة آمنة، من النظم الحاكمة، تحول دون وصولها إلى قضمة من ذات الكعكة، وهو ما نجحت به العقلية الأمنية العربية بامتياز.

صمت الشارع العربي على ما يحدث في غزة، وقبلها، على مآس ٍعربية موجعة، في العراق وسوريا واليمن وليبيا، وقائمة طويلة، والرد على سؤال الأغنية التي صدحت بها الشوارع العربية ذات يوم: "وين الملايين.. الشعب العربي وين ؟" يكمن جوابه في تمكن العقلية السلطوية العربية من تفتيت وتفكيك الأطر السياسية التي كانت تقود حركة الشارع، وتضبط إيقاعه، وتوجه بوصلته، وتستنهض همته، فغيبت الملايين، وتجسدت قصيدة الرصافي:

يا قـوم لا تتكلَّـموا
إن الكــلام محـرَّمُ
ناموا ولا تستيقظـوا
ما فــاز إلاَّ النُّـوَّمُ!

الأحزاب العربية مثلاً، غيبت عن قضايا أمتها المصيرية، وتكتفي باصدار بيانات شجب هنا، وتمجيد هناك، ثم ترتدي طاقية الأخفاء، وتتلاشى عن الساحة.

النقابات التي كانت تقود الشوارع العربية في أزمنة غابرة، تتنفس هي الأخرى من تحت الماء، وتعيش على أجهزة التنفس الصناعي، وحبوب الضغط، ومميعات الدم، وتحولت إلى دكاكين وجمعيات خيرية، توزع بقايا بضاعتها الكاسدة على منتفعيها، وعجائزها المتعطلين والمتقاعدين، وتقدم لهم واجب الرثاء حينما ينتقلون إلى العالم الآخر.

البرلمانات العربية محض صورية، وديكورات تحاول تجميل الواقع العربي القبيح، وفترينات سياسية لعرض بضائع ديمقراطية مستهلكة، وأختام مصادقة على قرارات حكومية جاهزة، لإضفاء شرعية شعبية، ومع افتراض أنها انتخبت من الشارع، إلا أن المسافة بينها وبين الشارع، فلكية وضوئية.

الإعلام العربي مأزوم هو الآخر، ومصاب بالفوبيا، والرهاب، ويعاني من سلس البول الليلي، والباركنسون، ومفصوم من أخمص قدمه لقمة رأسه، ولا ينبس بنت شفة دون تعليمات، ولا يتنفس دون تعليمات، ولا يدافع أو يهاجم دون تعليمات.. حتى مات!

المثقفون المزعومون من كتاب وشعراء وأدباء، قلمت أظافر أقلامهم، وأخصيت ألسنتهم، وتلاشوا عن واقعهم المرير كأنهم يعيشون في كوكب آخر، ولا تحفّزهم منابر الخطابة إلا لإلقاء قصائدهم الغزلية كالمهرجين أمام عيون الفاتنات الحسان!

المشايخ والدعاة قدّس الله سرّهم، وجهرهم، الذين امتطوا ظهور المنابر والفضائيات، وظهورنا، طيلة قرن مخزٍ من الزمان، وجلدونا بخطاباتهم العنترية لعقود غابرة، غابت عنا لحاهم المعطّرة بالمسك منذ السابع من اكتوبر، مثلما تغيب كلما لاح بنا خطب، وكان الله في سرّهم عليما!

لقد كشفت غزة رداءة الواقع العربي في أسوأ تجلياته، وأسقطت ورقة التوت الأخيرة عن سوءاته، فالشعوب العربية الشقيقة، لم تعد شقيقة، وتفرق دمها بين القبائل، وعلّقت المشانق لفرسانها، وأعلت مناصب غلمانها، وما ظلّ من طلاب ثأر فيها، واكتفت بالقتال فيما بينها، وكفت نفسها "شر القتال" مع اعدائها!


كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news