jo24_banner
jo24_banner

قانون الجرائم الالكترونية .. ضع القلم

د. رامي عياصرة
جو 24 :



دفعت الحكومة بمسودة مشروع قانون الجرائم الالكترونية قبيل انطلاقة الدورة الاستثنائية لمجلس النواب بساعات، وشكّل الاطلاع على نصوصه صدمة حقيقية لجميع المراقبين والمتابعين وللرأي العام.

حيث أظهر نص القانون العقلية العرفية التي تختبئ خلف الأطر والأشكال الديمقراطية في السلطة التنفيذية التي صاغت القانون وأنها بكل وضوح تريد أن تنقل الفضاء العام الإلكتروني المفتوح الى غياهب الأحكام العرفية ولكن هذه المرة بشكل وحلّة جديدة، هذه هي الحقيقة.

نص القانون الساري – وليس الجديد المقترح – هو أساساً سالب للحريات فكيف بالتعديلات المقترحة عليه ؟ انها بمثابة كارثة حقيقية على الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير على وجه الخصوص.

هل تعلمون بأن القانون الجديد يخلع ثوب القداسة على أصحاب الدولة والمعالي والعطوفة العاملين بالمواقع الرسمية العليا ويحصّنهم من مجرد النقد وحتى دون أن يكلفوا انفسهم برفع الدعوى وانما تتحرك النيابة العامة بتحريك الدعوى ( المادة 15 ) وذلك حتى لا يقع عليهم اللوم من الرأي العام بأنهم لا يتقبلون النقد ولا يتحملون سماع الرأي الآخر ، ولأنه وبكل سهولة يمكن تكييف ذلك بالتوصيفات الفضفاضة التي حملها القانون في ثناياه مثل : " اغتيال الشخصية" و "الذم والقدح" و "التحقير" و " اثارة النعرات" و " خطاب الكراهية " تلك المصطلحات التي لم يعرّفها القانون في المادة (2) منه الأمر الذي يتيح المجال للانتقائية واصطياد أي شخص على الفضاء الالكتروني وتكييف التهمة مع سرعة المحاكمة واصدار الحكم عليه خلال مدة اقصاها ثلاثة أشهر ( المادة 34).

هذا لا يعني اننا مع هذه الأمور المذكورة التي نعارضها بكل تأكيد ، ولكننا نختلف مع هذا القانون الذي بدلاً من أن يعالج السلبيات الموجودة على الفضاء الالكتروني فانه يقوم باطلاق رصاصة الرحمة عليه لقتله فيريح ويرتاح.

أما ما يتعلق بموضوع نشر الاخبار الكاذبة ( المادة 15) فان العقوبة المقترحة هي الحبس مدّة لا تقل عن ثلاثة أشهر بالاضافة لغرامة لا تقل عن (20,000) دينار ولا تزيد عن ( 40,000) دينار ، وكأن الحكومة توفر المعلومة الصحيحة والحقيقية وتتيحها بشكل دائم للرأي العام بكل شفافية ولكن المواطن الاردني يقوم متعمّداً بتركها ونشر الاخبار الكاذبة ..!!! اذا كانت مصيبتنا في الحكومات أنها لا تُحسن مخاطبة الرأي العام وتفتقد القدرة على اقناع رجل الشارع وافقدته ثقته بها فمن المتسبب في خلق هذه البيئة الخصبة لتناقل " الاخبار الكاذبة" ؟؟!!

المشكلة الكبرى في مشروع القانون باعتقادي تتمثل في أنّ المشرّع اعتمد مبدأ ازدواجية العقوبة على الجرم الواحد من خلال الجمع بين الحبس والغرامة المالية وبالمبالغ الفلكية والكبيرة التي يعجز عنها 95% من الأردنيين ، الأمر الذي يَحرِم القضاة من تقدير حالة المدان ومراعاة أحواله بحسب حجم الجرم وأثره وتكراره ، وهذا يشي أن مبدأ سنّ القانون بهذا الشكل ليس الاصلاح والتدرج بالعقوبة وانما الجباية وتكميم الأفواه والتكبيل الكامل لحرية الرأي والتعبير والنقد والحريات العامة عموماً.

باعتقادي أنّ طرح مشروع هذا القانون والقوانين الاخرى على جدول اعمال استثنائية النواب يشكل اليوم التحدي الأكبر للاحزاب وبالذات الاحزاب الجديدة وماذا يمكن أن تطرحه كموقف أمام الرأي العام ، كما يشكل تحدي للنقابات المهنية الغائبة والمغيبة عن الشأن العام ، ولنقابة الصحفيين على وجه الخصوص ، بالاضافة لمؤسسات المجتمع المدني المهتمة في الشأن الحقوقي والشأن العام ، وللشخصيات الوطنية وللناشطين على السوشيال ميديا ، وقبل كل هؤلاء هو تحدي للنواب في البرلمان أنفسهم أصحاب الحق الدستوري في رفض هذا القانون.

أنا أدعو ليس الى تهذيب هذا القانون والتعديل عليه للتحايل على الرأي العام وانما الى سحب مشروع القانون بالكليّة لأنه وبالأساس غير دستوري فهو يصادم المادة (7) من الدستور التي تنص على : (1. الحرية الشخصية مصونة. 2. كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصّة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون).

واذا ما تم إقرار هذا القانون وتمريره ولو بتجميله في التعديل على بعض النصوص فانه يقول للمواطن الأردني المختنق أصلاً: انتهت حصة حرية التعبير الالكتروني ، وضع القلم.


* الكاتب مدير الجمعية الوطنية لحقوق الانسان

 
تابعو الأردن 24 على google news