jo24_banner
jo24_banner

عندما يصبح الحوار عبثياً

لميس أندوني
جو 24 : لن أتحدث عن الخلاف القائم بين الحكومة ولجنة الحوار الوطني, حول النظام الانتخابي, على أهميته, فهو يتطلب مقالاً منفصلاً.

لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه على صناع القرار, ورئيس الحكومة الحالي, هو إذا لم يكن هناك نية في الأخذ بمخرجات اللجنة فماذا كان الهدف من تشكيلها?

الشكوك حول جدية وصدقية النوايا الرسمية قد رافقت تأليف اللجنة منذ البداية, خاصة لدى القطاع الشبابي, وفي أوساط المعارضة والحراك الشعبي, التي اختلفت أحيانا, مع قادتها, لعدم قناعتها بجدوى المشاركة في لجنة الحوار الوطني, واعتبرتها أداة في يد السلطات لشراء الوقت والمماطلة في تنفيذ مطالب التغيير الشعبية.

منذ البداية, سمعت تخوفات وانتقادات كثيرة, تعكس حالة عدم الثقة, في أوساط القطاع الشبابي, بشكل خاص, بأي نوع أو شكل من أنواع وأشكال الحوار مع الحكومة, ومؤسسات الدولة وأجهزتها, ليس فقط تعبيراً عن قناعة موجودة بعدم جدوى الحوار, ولكن الأهم, لتأثير مثل ذلك في ما يراه الكثير من الشباب في الحراك, على أنه وسائل تخدير لتسكين الحراك والمعارضة الشعبية, تمهيداً لإضعاف الحراك وتجزئته, ومن ثم إنهائه.

كانت تصل الانتقادات الشبابية, في فترة ما, إلى الدعوة المباشرة, للأمناء العامين للأحزاب والتيارات, إلى الاستقالة من اللجنة لأنها, وبرأي الشباب تضييع لوقت وجهد, يجب تركيزهما على صياغة برامج سياسية, وتنظيم صفوف وتوسيع قاعدة المعارضة الشعبية.

قد يهم, أو لا يهم, صناع القرار - والأجدر بهم الاهتمام العلم بأن هذه الانتقادات عادت وبشدة, ولا تقتصر على القطاع الشبابي المٌنَظم, ضد اللقاءات والحوارات التي يجريها ممثلوهم, مع مسؤولي الدولة; إذ وبعد التجربة, تأكد لمعظمهم, إن لم يكن لجميعهم, أن صانعي القرار لا يسمعون, وإن سمعوا, لا يأبهون, بالآراء المعارضة, أو حتى النقدية, التي تبث داخل جدران غرف الاجتماعات المغلقة, إلا إذا كان في ذلك مصلحة تفيدهم, عادة كانت تتعلق بمساعدتهم ونصحهم في احتواء أزمة قابلة للتصعيد.

أي أن صناع القرار, فهموا أن أعضاء اللجنة, خاصة من لهم تأثير وصدقية داخل الحراك, وفي الشارع, في استطاعتهم, لعب دور قناة حوار مباشر, في أوساط مهمة في الحراك وبالتالي, هم بمثابة صمام أمان لتخفيف الاحتقان, أو حتى لحل أزمات آنية, ولكن مرشحة للتصعيد, خاصة بعد قرارات وإجراءات رسمية وأمنية, متهورة, أو مبنية على حسابات خاطئة, وحينها كان يتم اللجوء إلى أعضاء اللجنة, أو البعض منهم, للملمة الوضع ومنع التصادم بين الناس وأجهزة الدولة.

وفقاً لما يقول رئيس لجنة الحوار الوطني, ورئيس مجلس الأعيان, طاهر المصري, إن اللجنة نجحت في حقن الدم الأردني, إثر تداعيات الهجمة الأمنية, على معتصمي دوار جمال عبد الناصر, في الخامس والعشرين من آذار, قبل عام .

ولم يقتصر لجوء الحكومة, إلى أعضاء لجنة الحوار المؤثرين, في الحركات الاحتجاجية, والمطلبية, على حد سواء, على جهود احتواء النتائج الخطيرة, لأحداث 24 و25 آذار, بل إلى قضايا أخرى مثل إضراب المعلمين, وتهدئة الوضع في الطفيلة وإنهاء العنف بعد مداهمة أعداد كبيرة من الدرك خيمة اعتصام العاطلين عن العمل, قبل ثلاثة أسابيع تماماً من نشر هذا المقال.

من الذكاء بمكان, أن يستثمر صانعو القرار العلاقة التحاورية, التي نشأت من خلال جلسات لجنة الحوار الوطني, لاحتواء وحل الأزمات الآنية, درءا لخطر تراكمها وتفاقمها, لكن هذا الأسلوب لا يعدو كونه مجرد"فهلوة" ضارة ومكشوفة, وبعيدة عن الحكمة الاستراتيجية, إذا كانت النتيجة, كما تبدو الآن استعمال اللجنة "كطفاية حرائق", ليس بهدف إعطاء الفرصة للتوافق والاتفاق على وتنفيذ الحلول السياسية والاقتصادية, بل بهدف إخماد نار الحراك الشعبي بوسائل القمع والتحجيم والاعتقالات والتشويه.

إن كنت أؤمن شخصيا بمبدأ الحوار الوطني, خاصة بين الفئات والتيارات المختلفة, فان الموقف الرسمي من مخرجات لجنة الحوار الوطني, وقضايا أخرى, يجازف أن يغلق قنوات الحوار, بين مؤسسات الدولة, والناس, إذا استمر الازدراء الرسمي حيال التذمر الشعبي, واستمرت محاولة تهميش وإقصاء القوى التي اختارت باب الحوار, رغم كل الشكوك والتشكيك.

لا توجد حكمة من ضرب مصداقية من شارك في الحوار مع المؤسسة الرسمية, فقد تكسب الأجهزة من خسارة مصداقيتهم, لتسهيل مهمتها سياق ضرب الحراك, ولكنه في الوقت نفسه تغلق صمام أمان ضروري يحتاجه النظام في ظل ضيق خيارات مواجهة الأزمة الاقتصادية.

بالنهاية أنا مجرد كاتبة, ومن السهل تجاهل ما أقول, لكن مسيرة الحوار الوطني أفقدت شريحة مهمة من الشباب, الثقة بجدوى إبقاء القنوات مفتوحة, وكما نرى فان هذه الشريحة, غير المكبلة, بالخوف, والمتعبة من الهزائم الماضية, والمتمسكة بمستقبل الحرية, وليس الكتاب والساسة, ستكون في المرصاد.
تابعو الأردن 24 على google news