jo24_banner
jo24_banner

الاردن والتحدي الأكبر في الحاجة لاستدراك سوء التقدير

الاردن والتحدي الأكبر في الحاجة لاستدراك سوء التقدير
جو 24 :


كتب د. أنور الخفش * 

محاولة للفهم كمدخل الاستعداد للمستقبل، هناك أسئلة ومخاوف لدى الناس لا مناص من تجاهلها، كيف تستفيد الدولة من التجارب السابقة بمكوناتها وادواتها واهدافها، إلى متى تبقى الدولة على المحك، في ظل اقتصاد كَريم بالفقر والبطالة واستمرار حاله عدم التوازن المالي والاقتصادي بين مستوى الدخل والنفقات الأساسية بحدودها الدنيا في اقتصاد السكان. كيف يمكن أن يكون هناك استقرار اجتماعي، عند التحول من دوله الرعاية والتكافل الاجتماعي إلى دولة ومجتمع منقسمون على أنفسهم، جراء تفشي السيطرة الصامتة المقننة ومفاعيل سياسات الاستبعاد والتمييز السياسي والاجتماعي والاقتصادي. من الأهمية بمكان وبصراحة أكثر، ضرورة الخروج من حاله الإعجاب وانبهار المسؤولين بسياسات الحكومة ،التي لم تنتج سوى الفشل في معالجه الملف الاقتصادي والاجتماعي.

في الملفات الداخلية، بعيدا عن مدى تحقيق مقاصد الحريات السياسية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية. ان الخطورة تكمن في بقاء التجربة والتحديثات، في يد مجموعة حاكمة صغيرة ضيقة، محدودة النطاق كنموذج مكوناته من تزاوج سلطة المال وبعض أدوات ومراكز النفوذ السياسية والفكرية والاجتماعية، تركيبة وتوليفة منظمة جيدا يقودها فريق له مشروعه الخاص بعيدا عن مصلحة النظام، يجمع شكل التعددية الحزبية والنيابية مع الإبقاء على صيغة مكونات ومضمون الدولة. كما أن ديناميات سقوط الدولة من مكونات صيغة (السلطة الجديدة). نظرا لاستمرارية وإتساع دائرة حالة الإعتراض الشعبيّة من القوى السياسية والاجتماعية، التي تستهدف تغيير السياسات الاقتصادية والمالية والإصلاح الحقيقي، مع ارتفاع درجة الحرارة عند البعض ستؤدي إلى رفع سقف المطالب الأكثر سخونة. في النهايه ستدفع مجموعة التناقضات في داخل مؤسسات الدولة إلى حالة الانهيارات أو توليفة لتقويض أركان السلطة غير المنسجمة في البناء والإدارة في ظل عدم وجود التسلسل الهرمي واستمرار قرار فكّ الارتباط الاقتصادي والسياسي مع مصالح ومطالب الناس المحقة.

في ظلّ التطورات السياسية والتصعيد الاقليمي، وارتفاع فاعلية درجة الوعي الجمعي والإدراك العام التي شهدها العقد الثاني من القرن الحادي والعشرون، ومحاولة فهم الدروس المستفادة من أحداث نهاية القرن العشرين من سقوط غالبية النظم السياسية ومحاولة الإنتقال إلى النظم الديموقراطية المفقودة، وتعزيز إمكانيات وقيم المشاركة الشعبية الواسعة في إدارة اتخاذ القرار والحكم. التجارب التي سادت في معظمها تباينات وتنوعات رغم التشابه أو الاختلاف في الانتقال الديموقراطي أو تيارات التغير والإصلاح، التي انطلقت جراء الاحتجاجات الشعبيّة في وجه السلطة وأنظمتها السياسية والاقتصادية، كنتيجة إساءة توزيع الثروة وسوء إدارة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعدم احترام عدالة النهج في توزيع الجهد الضريبي، وكذلك السياسات المالية والإقتصادية في الغالبية على حساب عموم الناس، لصالح فئة معينة، مركز تجمّع المتنفذين من السلطة السياسية وسلطه المال، في مواجهة تيارات الإصلاح الوطنية َوالحراكات الشعبية الاجتماعية. كذلك أزمة ديناميات السلطة ذاتها المتمثلة في حالة الإستعصاء وعدم القدرة في تقديم حلول اقتصادية واجتماعية مفيدة، مما سيترك الأثر بزيادة نماذج حالة الإعتراض وشكلها والتفاعلات التي ستؤدي زعزة حالة الاستقرار السياسي لتطال مشروعية الحُكم الصالح في نهاية المطاف. التحدي الأساس في بقاء حالة الانتظار، التي لا تقل خطورة عن استمرار الانظمة السلطوية في إدارة المرحلة الدستورية الديموقراطية الجديدة من العقد الاجتماعي الحديث، وما يعتبر من تجديد تنظيم ونهج وإدارة الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية (أركان النظام السياسي بعد التحديث) من نظام الأحزاب السياسية و النيابية الديموقراطية الحرة أو التوافقية (المتفق على نتائجها ومساحتها وسيرورتها)، يبقى التحدى في تعزيز وصقل التجربه التراكمية. من أهم التحديات سوء التقدير من المسؤولين ورفع سقف التوقعات من الجمهور، وبروز وتجَّلي الأجندات الفئوية والخاصة في المرحلة الانتقالية، لتكوين نتيجة واحدة وهو بقاء حالة البلاد والمشهد السياسي دون تطوير، كون التغيير لا يتعدى كونه تغييرا في مراكز إدارة السلطة فقط.

مما تقدم فإن الأولوية الحكومية تقتضي بناء مرتكزات الدولة المستقبلية المستقرة وتعزيز إمكانيات التطوير المستمر من منظور أن إستمرارية الدولة (من الإستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي) التي تتحقق عند إنصهار مصلحة الفرد الإنسان مع مصلحة النظام والدولة. بالمباشر، إن نهج وسياستنا الحكومية الثابتة إذ لا بد من محاولة فهم ودراسة محركات المعوقات والموانع المركبة أمام الانتقال إلى الديموقراطية المنشودة، وكيف يمكن إدراك حتمية موجبات التطور في نظم إدارة الدولة والإقتصاد والمجتمع بعيدا عن نظرة الخصوصية العربية أوالأردنية أو الخليجية أو الإسلامية، نعم هناك حاجة ماسة إلى مراجعة نقدية ذاتية بشفافية وشجاعة (قل هذا من عند أنفسكم) صدق الله العظيم.

بيت القصيد، إن مصداقية النظام وثيق الصلة برضاء وقبول بل تقدير الشعوب ، مفاتيحها في تعزيز مجموعة من السياسات العامة للدولة التي تكفل تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية ، وضمان فرص المشاركة المتساويه في الحياة الفكرية والسياسية العامة. فإن كينونه النظام الديموقراطي لا يقتصر على توفير إجراءات تداول السلطات سلمياً، عن طريق الانتخابات الحره النزيهه، كون جوهر النظم السياسية الديموقراطيه، التي تُؤمن العدالة السياسية المتساويه ، وتضمن الحريات وتكفل الحقوق الِاقتصادية والسياسية دون تمييز، كونها عملية مرتبطه بجودة إدارة نظام الحكم. وقدرته في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية وانعكاسات الصراعات الإقليمية، في تأمين طرق العيش الكريم للافراد والأسرة والامان الاجتماعي للمجتمع. ان جودة إدارة الحُكم تتعدى حيوية وطبيعه العلاقة بين الحاكم والمحكوم إلى فضاء وأساس و موجبات الالتزام السياسي من حقوق وواجبات كون هذه الأمور تعتبر من المسلمات. فيما يتعلق بالامور المتصله ما حول الحكم والإدارة وكيفية تعاطي السلطات التنظيمه والتنفيذيه، تلازم التوازن بين ضمان الحريات العامة وحدود السلطات من خطوط التماس في الحقوق والواجبات في إطار ضمان إستقلالية كافة المؤسسات قانونياً ،التي تعتبر الحَكَم والمنظم بين إدارة مؤسسات الدولة والقوى الإجتماعيه البرلمانية والاحزاب والنقابات باعتبارهم ممثلين غالبيه الشعب.

بالمختصر المفيد، إن النظم السياسية والعملية الديموقراطيه تتجاوز إطار تنظيم شرعية النظام والدولة والمؤسسات السياسية والفكرية والاجتماعية والمؤسسات المالية والإقتصادية. في خلاصة تجربة ثورات ما سُمّي بالربيع العربي دشنت تحولات في العملية السياسية والفكرية، تجاوزت سقوط عدد من النظم السياسية السلطوية، المفارقة لم تستطع المجتمعات الحيوية الفاعلة في حينه إن تنتج نظم ديمقراطية بديله جديدة ، بل استمرار عقلية النظم السياسية السلطويه متجددة بالشكل ولم تدرك خطوط التماس في حالة الحكم والإدارة وسيرورتها، او انجاز مخرجات أساسيه من تحقق المشاركة المجتمعية الفاغله والتمثيل السياسي المنشود من عناصر هامه مثل المساواة والعدالة الإقتصاديه والسياسية، والفشل في كسر معادلة احتكار النخب السياسية والمالية، وعدم فك تحالف جماعات المصالح الإقتصادية ،التي تحتكر منظومة النفوذ السياسي بعيدا عن مصالح غالبية الشعب مما ادخل مشروعية التغير و اتساع أُفق الشكوك وفقدان الثقة والمصداقية الشعبية.

في الخاتمة، تبقى مُقتضيات المرحلة، من الضرورة تجديد الدعوة إلى مراجعة سياسية َنقديه ذاتية، من فحص السياسات المالية والإقتصادية وكيفية صناعة ورسم أو هندسة السياسات، ولوجا إلى إدارة وتقيم الأداء في كافة مؤسسات الحكم، لنتوصل إلى حالة من التصالح وشيوع حالة من الرضا العام من الانسان العادي البسيط، التي قد تعتبر تسوية اجتماعية وسياسية ومحطة قطار للتواصل والتلاقي كون إنصهار مصلحة النظام ومصالح غالبية الناس عامة هو مصدر الأمان والإستقرار لكل من أطراف المعادلة، المجتمع والنظام والدولة معا. كما احذر لاستدراك من تغير الموقف الأمريكي التي عبرت عنه وزيرة الخارجية كوندليزا رايس الذي يعتبر سياسية مستمرة ودائمه في أجندة الادارات الأمريكية، حين صرحت بأن الإدارة الأمريكية تدرس إعادة النظر في قائمة حُلفائِها كونها قيادات جامدة وغارقة بالمشاكل الداخلية فقدانها المصداقية وثقه الشعوب، اما رسالتي لصانع القرار المفاجأة الكبرى من الداخل. والله من وراء القصد.


* كاتب وخبير الاقتصاد السياسي
anwar.aak@gmail.com

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news