jo24_banner
jo24_banner

“مهدي السعافين” ومن خلف القضبان: هم السجناء .. ونحن الأحرار

“مهدي السعافين” ومن خلف القضبان: هم السجناء .. ونحن الأحرار
جو 24 :

من خلف القضبان، ومن سجن الزرقاء تحديدا، حيث الشاعر المناضل، والناشط السياسي، عضو حزب التحرر الوطني الاجتماعي، ” مهدي السعافين “، وصلتنا الرسالة التالية:

رسالة الى الاصدقاء والرفاق، والاحبة ….

والى اعضاء رابطة الكتاب الاردنيين بشكل خاص. من سجن الزرقاء.

ثلاثة عشر يوما على اعتقال ” حريتنا “، ومعنوياتنا دونها السماء، وقلوبنا مثل صخر بلادنا الطيبة … صلبة، لم يعرف التردد والخوف والتراجع طريقا اليها؛ لكنها قد تكون السخرية بذاتها ملأت قلوبنا كاداة لكسر الصرامة والعجرفة، وادعاءات الجدية التي احاطت بها السلطة نفسها: بهراواتها وسجونها و” دركها ” الاسفل، وغازها المسيل للضحك !!.

ان اول تجليات السخرية؛ تكمن في اتقان السلطة الفاسدة لدور ” الاب ” الموجوع على “رعيته ” الصغار، ناقصي العقل والدين والحس السليم للمواطنة الرثة، فيصير هذا الأب الكذّاب بارعا في تجسيد المثل الشعبي الشهير ( يقتل القتيل ويمشي في جنازته ).

فترونه يشكي قلة الحيلة والعوز وشح الموارد وقصر ذات اليد، ونحن الذين نعلم حقيقة الكذب ” الناصع الصفار ” حين تكون ” عيننا البصيرة ” ترى ثرواتنا الوطنية التي بناها اجدادنا بالكد والعرق والدم مباعة ومسروقة ومكدسة في حسابات البنوك وفي القصور والسيارات وحياة البذخ الفائض، ورغم كل ذلك علينا ان نصدق الكذبة … ونسكت ؟ ! ؟.

وفي تجليات السخرية ايضا، حين تشاهدون ذات الاب يقرا فوق رؤوسنا آيات الديمقراطية والتسامح والتفهم لغضبك على فساده وفشله في ادارة البيت / الدولة التي بنيناها نحن، وفي ذات الوقت يلقي القبض عليّ وعلى رفيقي ” ايهم اسليم ” من على رصيف دوار فراس لاني ارتكبت جريمتي البشعة التي تخرّ الجبال لهولها ! ؟:

” بافطتين كرتونيتين، لا اكثر ” … نعم … هذا ما فعلناه يا سادة … لقد قمنا بحمل يافطتين مكتوب على الاولى: ” نريد خبز، وعدالة اجتماعية فقط ” والثانية ” اعيدوا ثرواتنا المنهوبة “.

هذا باختصار ما تم توثيقه في محاضر امن ( الفساد ) العسكرية التي مثلت امامها لاحقا، حيث وجه لي قاض عسكري متتخم بالنياشين والنجوم والتيجان، تهمة … تهمة … تهمة… ايه .. ايه .. طيب ساقولها: ( العمل على تقويض نظام الحكم الملكي ) !!.

يكفيني ان الحظ ابتساماتكم بعد قراءة التهمة، ويمكنكم تخيل حجم القهر الذي يرتسم على وجهي حين تصادر حريتي وحرية رفيقي من اجل يافطة !.

يمكننا معا ان نحتفي بمزيد من السخرية ايضا، لقد رافق اعتقالنا؛ تقييدا الى الخلف مثل قاطعي طرق، واجبرونا على ” العض ” على ” الهويات المدنية ” باسنانا؛ وضربنا على وجوهنا واجسادنا بارجلهم؛ وشتمنا، ومنعنا من الاتصال باحد؛ الاهل، محامين، اعلام … الخ؛ حتى ” كاسة المي ” في الليلة الاولى داخل الزنزانة، كانت من ” المحرمات ” وكأن ما تعلموه من احاديث السلف الصالح من ( أن الناس، شركاء في الماء والكلأ والنار ) ما هو الا حشو كلام في جيب تاريخنا المهمل !.

وفي كلام السخرية يا سادة، ما رايناه جميعا من قدرة السلطة على كسب الجولة الاولى … وليس الاخيرة … مع الشعب وفرض معادلته الدنيئة الوضيعة التي تقول: ( اما الخبز واما الامان ) … وهذا ما كان.

زملائي اعضاء رابطة الكتاب الاردنيين الاكارم؛ لقد سرّني – بصدق وانا اقرا الجريدة داخل السجن ذات مساء، بيانكم التضامني معي، وهذا ما اثارني للكتابة اليكم بشكل خاص.

فنحن متفقون على دور المثقف في التاثير على الوعي العام؛ فالنص بكل تجلياته كائن حي يتنفس في محيطه، ويخرج العقل عن سكّة النّمطيّة، والخضوع، والعبودية للسائد العام، نحو طريق وعرة، وقاسية، وشائكة. لكنها تفضي في نهاية الامر الى حرية الارادة والموقف والممارسة، وهذا بحده الادنى – فعل الابداع الذي ارتضيناه ” أداة ” لتغيير حالنا، ومجتمعنا، ومستقبلنا.

قد اختلف قليلا مع الاخرين في استغراقي في الفعل المباشر والمواجهة اليومية المتواصلة ولدي ما ادافع عنه لاقوله، لكن تجربة الاعتقال دفعت برغبتي الدفينة في اصدار ديواني الشعري الذي لم ير النور بعد، وفي اقرب وقت.

زملائي، لا تهنوا ولا تحزنوا من قدرة سلطة الفساد والكذب على النهوض مؤقتا من ازمتها؛ فالبقاء … للماء … والزبد يذهب – كما تعلمون جفاء ! والسلطة الى زوال …

اما البديل، فهي المهمة الاصعب وعلينا التحضير له بعناية وسرعة، وكم سيكون البديل اقل جفافا واكثر اخضرارا حين تكون راس حربته: الشاعر والقاص والروائي والناقد.

اخيرا، احيي رفاقي واهلي واصدقائي … الذين يقفون الى جانبي، سترون مني صمودا وعزيمة اكثر مما تتوقعون، هم السجناء ونحن الاحرار … وهذا وعد … ووعد الحرّ دين.

اختم رسالتي بهذه الجملة:

” إنّ الناس لا يصدقون الكلام المجرّد العاري، لا بدّ ان تتالم وان تغمس كلماتك بالدم، كي يصدقوك “. مكسيم غوركي – رواية الام .

الشاعر والناشط السياسي

مهدي السعافين

تابعو الأردن 24 على google news