2024-05-20 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

خذ الكتاب بقوة

سالم الفلاحات
جو 24 : هكذا يكون منهج التعامل مع القضايا الكبرى والأهداف النبيلة.
يريد الله لها رجالا (واللفظ للتغليب)، وليس رجيجيلات ليحملوها، فخاطب يحيى عليه السلام: يا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً. وسمّى خمسة من انبيائه أولي العزم من الرسل "فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل". وأخذ النبي محمد صلى الله عليه وسلم الأمر بجد دون تردد أو تراخي، حتى قال لخديجة رضي الله عنها قولته التي ذهبت فوق شرعيتها مثلا: مضى عهد النوم يا خديجة.
ولمّا سمع الرسالة منه أبو بكر الصديق رضي الله عنه انطلق من فوره، فأسلم على يده سبعة من أهل مكة, وكان فارس العزيمة في حرب المرتدين وإنفاذ بعث أسامة لا تلين له قناة، لم يجد لها عمر تفسيرا إلاّ أنّ الله قد شرح صدره لما فيه الخير، ولمّا أسلم عمر خرج لتوّه وبحث عن أنقل الناس للحديث، قالوا هو جميل بن معمر الجمحي، فناداه وقال له: لقد أسلمت اليوم، فطار بها بين قبائل قريش, فجاهر عمر بإسلامه وألحّ على النبي عليه الصلاة والسلام أن يخرج المسلمون إلى الناس, مجاهرا بدينه الجديد الذي كان قد حاربه قبل ذلك بقوة ونصره بقوة.
وهكذا علي رضي الله عنه الذي أخذ الراية يوم خيبر، فذهب نحو القوم حتى مضى دون أن يلتفت ثم قال: يا رسول الله نقاتلهم حتى يسلموا؟ فقال له: على رسلك يا علي حتى تنزل بساحتهم وتدعهم إلى الإسلام.
وهكذا أبو ذر رضي الله عنه، الذي أسلم من توّه فخرج إلى الكعبة يعلن بأعلى صوته الشهادتين، فانهال عليه المشركون ضربا وهو يكرر الشهادتين المرة تلو الأخرى.
وهكذا خالد وقبله زيد وجعفر وابن رواحة، رضي الله عنهم جميعا، لم يعدّوا جيش الروم في مؤتة ولم يروا أنّه يفوقهم سبعين ضعفا، رجع خالد بالجيش كرارا لمعركة حاسمة مع الروم لم تحن بعد لتكون اليرموك الحاسمة.
وهكذا الصحابة الكرام جميعا فهموا الرسالة وأبعادها وكيفية التعامل المطلوب معها, فأحاطوها من جميع جوانبها، ومن تردد بعض التردد وجد ازورارا في سريره في الجنة، إن كانت الغاية الطاعة فلِمَ التردد، وإن كانت الرسالة واضحة فلِمَ والقعود إذاً؟
وهكذا فعل من جاء بعدهم وإن كان بنسبة أقلّ فذاك جيل البناء والتأسيس والفرادة.
ولمّا ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة رجع بالناس سيرة الصحابة الأوائل، حتى لم يترك في سنتين وثلاثة أشهر موقفا للحق إلاّ وقفه، ولم يترك له الحق صاحبا ومات يردد "إنّ وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولّى الصالحين".
ولم تنقطع القافلة العظيمة وبقي ابن حنبل جبلا راسخا في الحق وابن تيمية، وتبعهم نور الدين وصلاح الدين وغيرهم من الرهط المبارك، كالعز بن عبد السلام ثم حسن البنا وسيد قطب وعبد الله عزام وأحمد ياسين والرنتيسي وغيرهم، ففي أيّ صفحة من سفر الخلود تريد أن تكون؟ فلا تبدّل تبديلا إذا عرفت فالزم.
ألَم ندرس سويا أنّ الأستاذ البنا لم يعش من العمر إلاّ أربعين سنة، في عشرين منها فقط بعجرها وبجرها لم يبق له من يومه وليلته أكثر من أربع ساعات فقط واستثمر الباقي فيما ينفع ويبقى، أنشأ مدرسة نالت البقاء والتأثير في الكون حتى تربّعت على قلوب الكثيرين حبا واحتراما فيما يقرب من سبعين دولة في الدنيا اليوم، مع أنّه فارق الدنيا منذ ما يزيد عن متوسط أعمار أمّة محمد صلى الله عليه وسلم.
وإن شعرتَ بالتردد فاسترجع أقوال الأخيار وأفعالهم في مثل تلك الحالات البشرية التي قد لا ينجو منها أحد ولكن الصبر بالتصبُّر، وقل أقسمت يا نفس لتنزلنه..لتنزلنه أو لتكرهنه، أو قل بالطاعة والعبادة والتجرُّد..غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه.
واحذر وسوسات القاعدين المخلدين إلى الأرض، فمثلهم في القرآن الكريم آية الآيات في قراءة أغوار النفس وأسرارها، قوله تعالى: "ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون، ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون". ورزقنا الله وإياكم السلامة.
لم يغزه مرض من قبل ولم يتعرّض لحادث سير ولا لاغتيال ولا لحرق ولا لأيّ أمر يحذر منه في الدنيا، لكن لم يحرسه في سنواته الخمسين إلاّ أجله, فمات عندما كشف الله عنه غطاء البقاء فجأة، بينما كان يعد حقائب السفر ليعود لرحلة غربة من جديد، لكنه سافر إليه. نستودعه مولاه وفي ضيافة الله يا خالد نزال والعزاء أنّك مُتّ على العهد والوفاء.
ألا يمكن أن يكون أحدنا مكانه في موت الفجاءة؟ وماذا نقول لله يوم تختلف الأقدام؟
يا أخي، فلنأخذ الأمر بقوة، استجاب الناس أو ترددوا، أقبَلوا أو أدبَروا، المهم أن نتأكّد أننا على الجادة ولو خذلنا من خذل أو أسلمنا وتركنا حتى الأقارب، ومن يتوكّل على الله فهو حسبه حتى لو اجتمعت عليه الدنيا بأسرها، فالله غالب على أمره.
إن كانت المصلحة العامة المعتبرة متوافرة بمشروع الإصلاح، فثم شرع الله كما قرر فقهاء الأمة، فكيف إن ثبت هذا أيضا بفتوى العلماء وقرار الحكماء الدعاة؟ ولمست ثماره وإيجابياته ورآها الناس رأي العين، وهي تشد الأمر وتزيده توثيقا وإلزاما.
ورحم الله صلاح الدين لمّا رأى أمور الشام مختلة والأرض المباركة محتلة فقال: قفوا على أمشاط الأرجل، وليس على أطراف الأنامل، فلله درّه قال وفعل حتى تم الفتح الثاني, والفتح الثالث ليس منّا ببعيد بإذن الله العزيز الحكيم.
ورددوا ليس التعلل بالآمال من أملي ولا القناعة بالإقلال من شيمي
ولا يقعدنكم قلة العدد والعدة وكثرة القاعدين المثبطين، فليس لها في موازين النجاح أو الفشل إلاّ النادر القليل، ولا تكن لهولاء من السماعين فدعهم وجمهورهم، وصدق الله العظيم "إنّما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين"، وهو القائل "خذوا ما آتيناكم بقوة" واستعينوا بالله واصبروا، واحذروا "وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونوا أمثالكم".
السبيل
تابعو الأردن 24 على google news